تمر ايام كثيرة واحس اني اخرج من جسدي وانظر الى حالي واتاملها , كنت اتفاجيء بها سابقا عندما اكتشفت اني املك جسد وروح اما الان فانتهى وقت الدهشة وانه علي ان اعيش هذا الواقع والحقيقة ان جسدي ونفسي ليسا كيانا واحدا . اذا افصحت عن مشاعري او افكاري التي تجول بذهني ربما سيظن البعض اني اعاني من اكتئاب شديد , او ربما لاني في هذا البلد الذي اشتهر بكأبة البشر فيه قد اصابتني العدوى بمرضهم بعد شربي ماءهم , ولكني لست كئيبة الان وليس في داخلي نوع من الحزن ولكن احس بالهدوء الشديد من حولي لدرجة اسمع افكاري بصوت عالي والضجيج الذي تولده افكاري يصمني , ليست افكار سيئة ولكن افكار تريد ان تحتوي العالم لتملئ فراغ كبير اظنه السبب المباشر لهذه الضجة
في غرفة تبديل الملابس الخاصة بالعمل وبعد انتهاء الدوام وتجاذبت اطراف الحديث مع زميلتي تحدثت عن جسدي الذي احس باني استعيره لفترة واني متعبة منه رغم احساسي الداخلي باني مازلت شابة انبض بالحياة فنظرت الي وقالت انها تشعر بانها مازالت شابة رغم بلوغها العقد السادس من عمرها ولكن تشعر انها تملك جسد عجوز ولكن لم تعجبها فكرتي عن استعارة الجسد فطرحت لي فكرتها الخاصة حول الموضوع , فكرتها كانت افضل واكثر تفاؤلا من فكرتي لانها حسمت امرها وقررت ان تعود للحياة مرة ثانية كطائر النورس تحلق عاليا وبحرية لايقيدها شيء , انها تؤمن بتقمص الارواح وان البشر بعد موتهم سيتحولون الى كائن اخر , نعم قررت انها ستعود مرة ثانية للحياة بشكل طائر , ضحكنا قليلا وخرجنا من العمل وتركت جسدي القابع على ذلك الكرسي في غرفة الملابس ينتظرني في اليوم التالي لالبسه من جديد وابدا العمل
اعجبتني تلك الفكرة وبدات افكر لو كان بامكاني ان اعود مرة ثانية للحياة وانتقي جسدا اخر فما هي خياراتي
طائر! ربما حصان او حتى قط صغير ! لاتوجد حيوانات بحجم افكاري وامالي , لكن هنالك شيء واحد ما يخطر ببالي دائما عندما اتعمق في داخلي واجد نفسي في حقل كبير واسع وارى شجرة وحيدة فيه , اني ارى شجرة ضخمة ثخينة ثابتة الجزع مزهرة ,مورقة ومثمرة مكانا تلجا اليها الطيور والسناجب او حتى تلك المخلوقات الصغيرة التي تتسلق بسرعة وباعداد كثيرة , اغير ملابسي حسب الفصول ,استمع الى حفيف الرياح وهمسات العشاق الصغار الذين يجلسون تحت ظلالي, احتضن عصافيري وامد اذرعي لهم ليبنو اعشاشهم الصغيرة على جسدي, يختبؤن ويحتمون بين اوراقي ينتظرون ثماري الناضجة , في الخريف اعيد للارض بعض ما اعطتني اياه وتذوب اوراقي وتضمحل في ترابها . وفي الشتاء رغم تعريتي الا اني شريان الحياة الرابط بيني وبين الارض يدفأني , ارفع يدي حاملة الثلج الابيض الذي يغسل وجهي ووجه الارض , اريد ان اكون تلك الشجرة التي ينتظرها المشتاقون للربيع ,لفاقدي الامل بالحياة ليروى ما اتيت به من معجزة لتسعدهم قليلا ,اريد ان اكون تلك الالون التي تريح النفوس الباحثة عن الصفاء والهدوء اريد ان اكون تلك الشجرة التي تنبض بالحياة وعمرها طويل لا تتحرك من مكانها ولا تتاوه من تقدمها بالعمر بل تزيد فخرا وثباتا وجمالا
مازلت على هذه الصورة الجميلة المتفائلة وفجاة رعدت سماء افكار ومعتقدات في راسي تحاول محاربة تلك الفكرة الجميلة, فكرة اعادتي للحياة بشكل اخر , وبدات االسماء تسود لسواد الافكار التي لاحقتني : كيف تفكرين بانه توجد حياة بعد الموت ,كيف تتركين معتقداتك السماوية , تلك التركة المورثة والتي لم يكن لي فيها خيار,.......وتلك العواصف الرعدية هزت كياني وحاولت ان تبعثر ما حاولت تشكيله في مخيلتي, لم احب تلك العواصف , اريد ان ابقي في عالم من التفائل من الوهم , تركت شجرتي تنمو ووصلت الى تلك الغيوم وبعثرتها وازحتها من طريقي واضائت الشمس من جديد وذادت ثخانة جذوعي وامتدت اذرعي بكل اتجاه تغلغلت جذوري اكثر في الارض , نمت ورقات اكثر خضرة ربما تنمو زهور اكثر هذا الربيع ,الان اعرف لماذا تنادي زميلتي بالشجرة الصغيرة , لقبتني بهذا الاسم حسب المعتقدات الهنود الحمر لانها تراني هكذا ,الان افهم انها رات روحي بوضوح وبدات اخاف من معتقداتها
غدا عندما اعود للعمل والبس ذلك الجسد من جديد يمكنني ان احول افكاري الى تلك الشجرة واستمتع اكثر بالحياة .لن اهتم بمن يسكن هذا الجسد لاني لا اريد ان اتصارع مرة ثانية معه لاني لااؤمن به ولكن ساقبل به كنوع من الهروب بالخيال , باني ساعود واسكن جسدا اخر واني في هذه المرة ساختاره بنفسي حتى تكون روحي وجسدي متحدان